قال الحق تبارك وتعالى : { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } (185)سورة البقرة .
رمضانُ أقبلَ يا أُولي الألبابِ *** فاستَقْبلوه بعدَ طولِ غيابِ
عامٌ مضى من عمْرِنا في غفْلةٍ *** فَتَنَبَّهوا فالعمرُ ظلُّ سَحابِ
وتَهيّؤوا لِتَصَبُّرٍ ومشقَّةٍ *** فأجورُ من صَبَروا بغير حسابِ
اللهُ يَجزي الصائمينَ لأنهم *** مِنْ أَجلِهِ سَخِروا بكلِّ صعابِ
لا يَدخلُ الريَّانَ إلا صائمٌ *** أَكْرِمْ ببابِ الصْومِ في الأبوابِ
أيها الناس نحن على موعد هذا السنة مع أعزّ وأكرم ضيفٍ من الله علينا كما في كل عام، ضيفٌ يحبه الله ورسوله، فرجب شهر الله، وشعبان شهر رسول الله، ورمضان شهر المسلمين، أكرمنا الله بهذا الشهر والذي روي عن النبى صلى الله عليه و سلم انه قال لما حضر رمضان : (( قد جاءكم شهر مبارك افترض عليكم صيامة تفتح فية ابوب الجنة و تُغلق فية أبواب الجحيم و تُغل فية الشياطين , فية ليلة خير من ألف شهر , من حُرم خيرها فقد حُرم )) ::: رواة أحمد و النسائى و البيهقى .
فرمضان : شهر الدعاء والقيام، شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النيران، شهر الفضل والجنان، شهر الخيرات والإحسان، شهر الصفح والغفران، شهر الجود على الأيتام، شهر الأمن والأمان، شهر تلاوة القرآن، شهرٌ تتنزل فيه البركات على الأنام، شهرٌ يحبه العزيز المنّان .
يبقى السؤال : هل نستقبله كما في كل عام ؟ هل نتعامل معه كشهرٍ عابرٍ كباقي الأيام ؟
يجدر بنا أن يكون لنا عهدٌ وميثاقٌ جديدٌ مع الله سبحانه وتعالى، نهجر المعاصي ونتقرب إلى الله،وكما وصف سفيان الثوري تلك الوصفة الرائعه قائلاً : عليك بعروق الإخلاص وورق الصبر وعصير التواضع، ضع هذا كله في إناء التقوى وصبّ عليه ماء الخشية، وأوقد عليه بنار الحزن وصفّه بمصفاة المراقبة، وتناوله بكف الصدق واشربه من كأس الاستغفار وتمضمض بالورع وابعد عن الحرص والطمع، تشفى من مرضك باذن الله، وتتقرب من الله، وحتى يكون لك خير زاد تتزود به وتسير به في رحلتك إلى الله من خلال ركوب سفينة رمضان، عبر أمواج البر والتقوى .
فيا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر، بادر وبادر بدون إنتظار فلن يرجع العمر بعد الإياب، وكما قال الإمام حسن البصري : ( يا ابن إنما أنت أيام إذا ذهب يومك ذهب بعضك )، لا تفتر عن العبادة، لا تكسل اجتهد ولا تضيّع هذه الفرصة من بين يديك، فيوشك رمضان أن يدخل فيخرج كلمح البصر، أختم لكم كلمتي بضرب مثلٍ في قيمة الوقت فأقول :
( حتى تدرك قيمة العشر سنوات إسأل زوجين انفصلا حديثًا، وحتى تدرك قيمة الثلاث سنوات إسأل طالب جامعي تخرج حديثًا، وحتى تدرك قيمة السنة إسأل طالب ثانوي فشل في إمتحاناته السنوية، وحتى تدرك قيمة الشهر إسأل أم وضعت مولودها قبل الوقت، وحتى تدرك قيمة الأسبوع إسأل محرر في جريدة أسبوعية، وحتى تدرك قيمة الساعة إسأل فقراء ينتظرون الغداء، وحتى تدرك قيمة الدقيقة إسأل شخص فاتته حافلة أو قطار أو طائرة، وحتى تدرك قيمة الثانية إسأل شخص نجى من حادث، وحتى تدرك قيمة الجزء من الثانية إسأل شخص حصل على الميدالية الفضية في الألعاب الأوليمبية ولم يحصل على الذهبية، وحتى تدرك قيمة الصديق إسأل من ليس لديه أصدقاء، وحتى تدرك قيمة الحياة إسأل من هو على فراش الموت، وحتى تدرك قيمة ذكر الله متّ وانظر ماذا قدّمت من دنياك لآخرتك ) .
أحبتي في الله، نصيحتي الأخيرة، أهجروا التلفاز والمسلسلات، دعوكم من السهرات الماجنات، دعوكم من جلسات الغيبة القاصرات، دعوكم من تضييع الأوقات، اخلعوا ثوب الكسل والملل، والبسوا ثوب الجد والعمل .
كذا المعالي إذا رمت تدركها *** فاعبر إليها على جسرٍ من التعب
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يبلغنا رمضان، ويسهل علينا صيامه وقيامه، ويبلغنا الفرحة الكبرى عند لقاء ربنا، وإلى لقاءٍ آخر نستودعكم الله، وصلّ اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبة وسلم .
والله ولي التوفيق .