أدرك الفقهاء دور المحاسبة الاقتصادي في الحياة الاجتماعية ، فالغزالي أوضح ضرورة الحساب في المعاملات ، وعرَّف المحاسبة بأنها "أن ينظر في رأس المال والربح والخسران لتبين له الزيادة من النقصان
ويمكن تحديد مراحل تطور المحاسبة في الفقه الإسلامي على النحو التالي:
مرحلة الإحصاء والعد : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :اكتبوا لي من تلفظ بالإسلام من الناس فكتبنا له ألفا وخمسمائة رجل
مرحلة التدوين : ثم كثرت الأموال اامجتبا ة، فتم إحصاء الناس على أساس القربى، لرسول الله صلى الله عليه وسلم
وكان العطاء على أسا س الأسبقية في الإسلام . "فقد َِقدم أبو هريرة بمال من البحرين فقال له الفاروق عمر رضي الله عنه
:ماذا جئت به قال خمسمائة ألف درهم فاستكثره عمر وقال أتدري ما تقول قال نعم مائة ألف خمس مرات فقال عمر :
أطيّبٌ هو ؟ فقال لا أدري فصعد عمر المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس قد جاءنا مال كثير فإن شئتم كْلنا لكم َ كيلا وإن شئتم عددنا .
فقام إليه رجل فقال يا أمير المؤمنين قد رأيت الأعاجم يدونون فدون أنت ديوانا . وروى عابد بن يحيى عن الحارث أن عمر رضي الله عنه استشار المسلمين في تدوين الدواوين فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه :تقسم في كل سنة ما اجتمع إليك من المال ولا تمسك منه شيئ . وقال عثمان رضي الله عنه :أرى مالا كثيرا يسع الناس وإن لم يحصوا حتى يعرف من أخذ ممن لم يأ خذ خشيت أن ينتشر الأمر . فقال خالد رضي الله عنه :قد كنت بالشام فرأيت ملوكها دونوا ديوانا وجندوا جنودا فأخذ بقوله .
ولما استقر ترتيب الناس في الدواوين على قدر النسب المتصل برسول الله صلى الله عليه وسلم فضل بينهم في العطاء على قدر السابقة في الإسلام , فكان ذلك أول إحصاء على أساس القربى من رسول الله وفضلت الناس على بعضها على أساس الأسبقية في الإسلام .
مرحلة تعريب الدواوين : في زمن الخليفة عبد الملك بن مروان على يد صالح بن عبد الرحمن كاتب الحجاج بالعراق وعلى يد سليمان بن سعد في الشام وكان عبد الحميد بن يحيى كاتب مروان يقول "لله در صالح ما أعظم منته على الكتاب
مرحلة التأصيل : لصناعة كتابة الحساب على يد النويري وهدفت إلى وضع دليل عمل ومرجع علمي ،
وبين ذلك بقوله "فسألني بعض إخواني أن أضع في ذلك ملخصا يعلم منه المباشر كيف المباشرة ، ويستضيء به فيما يسترفعه أو يرفعه من ضريبة و موافرة ويعتبر النويري ( ٦٧٧- 733 = 1287-1333م) أول من أطلق على مهنة المحاسبة تعبير صناعة أي صناعة الحساب كمرادف لكتابة الأموال , وبذلك يقول "فأوردت هذه النبذة إزالة لسؤاله وتحقيقا لآماله وذكرت من صناعة الكتابة ما هو بالنسبة إلى مجموعها قطرة من بحرها و شذرة من عقود درها مما لابد للمبتدئ من الإحاطة بعلمه والوقوف عند رسمه " وبذلك بين ضخامة علم المحاسبة وأن ما كتبه هو قطرة من بحر . أما القلقشندي فقد عدد أنواع المحاسبين ودرجاتهم ، وبين أهميتهم في تحديد الحقوق وبيان الأرباح (ثمرة الأكتساب) عند كل فترة زمنية ، وأكد أن المحاسبة عماد المعاملات ، ونتائجها قابلة للتفسير والمناقشة وليس ككتابة الإنشاء القابلة للتقوول والاحتمال .
ونقل عن الحريري (ت ٥٠٤ ه= ١١١١ م) قوله في مقاماته " اعلموا أن صناعة الإنشاء أرفع وصناعة الحساب أنفع وقلم المكاتبة خاطب وقلم المحاسبة حاطب ، أساطير البلاغة تنسخ لتدرس ودساتير الحسبانات تنسخ وتدرس"
من كتاب دور الحضارة الأسلامية في تطوير الفكر المحاسبي للدكتور سامر قنطقجي
المحاسبة الإسلامية هي " تسجيل و تحليل الأحداث الاقتصادية المالية و غير المالية و توصيلها إلى الأطراف المستفيدة منها بناء على فروض و معايير معينة دون مخالفة للشريعة الإسلامية " .
وتتمثل أهم مهام المحاسبة الإسلامية في الرقابة و حفظ الأموال ، والإثبات والتسجيل ، والعدالة ، والموضوعية ، والرقابة على حركة الأموال ، وتحديد نتائج الأعمال ، والرقابة على حقوق جميع الأطراف ، وتعتبر نتائجها قابلة للتفسير ، و نتائجها قابلة للمناقشة .
و تعتبر المحاسبة الإسلامية من العلوم الاجتماعية التي لابد للمحاسبة المعاصرة أن تأخذ منها كخطوة نحو تطوير الإطار النظري و التطبيقي للمحاسبة المعاصرة و لحل مشاكلها .